لماذا لم ترد عقوبة الزاني الثيب في القرآن الكريم ؟
الجواب
وَرَدتْ عقوبة الزاني الْمُحصَن في القرآن ثم نُسِخَتْ .
قال عمر رضي الله عنه : إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب ، فكان مما أَنْزَل الله آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها ، رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده ، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل : والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بِتَرْكِ فريضةٍ أنزلها الله ، والرجم في كتاب الله حقّ على من زنى إذا أُحْصِن من الرجال والنساء إذا قامت البينة ، أو كان الْحَبَل ، أو الاعتراف . رواه البخاري .
وفي رواية : وقد قرأتُها : ( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة ) .
وهذا من نسخ التلاوة وبقاء الْحُكُم .
وهذا فيه حِكَم ، منها :
1 - الابتلاء والاختبار ، وهل يؤمن الناس بأن هذا من عند الله أو يَرْتَدّوا على أدبارهم
ولذا قال الله تبارك وتعالى في شأن نسخ القبلة الأولى وتحويلها إلى الكعبة بعد أن كانت إلى بيت المقدس :
( سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ )
2 - وليِظهر مقدار استجابة هذه الأمة ، بِخلاف الأمم السابقة ، فتظهر فيه فضيلة هذه الأمة .
قال الزركشي في البرهان : هنا سؤال : وهو أن يُقال : ما الحكمة في رفع التلاوة مع بقاء الحكم ؟ وهلاّ أُبْقِيَت التلاوة ليجتمع العمل بحكمها ، وثواب تلاوتها ؟
وأجاب صاحب الفنون ، فقال: إنما كان كذلك ليظهر به مقدار طاعة هذه الأمة في المسارعة إلى بذل النفوس بطريق الظن من غير استفصال لطلب طريق مقطوع به ، فَيُسْرِعُون بأيسر شيء كما سارع الخليل إلى ذبح ولده بمنام ، والمنام أدنى طرق الوحي .
3 – بقاء القرآن قواعد وكلّيات ، لا أنه يَجمع جميع الأحكام ، لأن التشريع في السنة مثل التشريع في القرآن
وقال الزرقاني : حكمة الله قَضَتْ أن تَنْزِل بعض الآيات في أحكام شرعية عملية حتى إذا اشتهرت تلك الأحكام نَسَخ سبحانه هذه الآيات في تلاوتها فقط ، رجوعا بالقرآن إلى سيرته من الإجمال ، وطرداً لعادته في عرض فروع الأحكام من الإقلال ، تيسيراً لحفظه ، وضماناً لِصَونِه ( وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) .
والله تعالى أعلم .
المجيب الشيخ/ عبدالرحمن السحيم
عضو مركز الدعوة والإرشاد